قراءة في رواسب التهجير القسري
قراءة في رواسب التهجير القسري
مترجم من النص الأصلي باللغة الإنجليزية. نشرت في ANMLY
(قصيدة تروي بعض تجارب النكبة 1948 وعلاقتها بتجاربنا في المنفى)
قراءة في رواسب التهجير القسري
بقلم خليل سمعان
I. تَقْرَأُ الْمَاضِيَ فِي تَفْلِ الْقَهْوَةِ:
"هَبَطْنَا مِنَ السُّحُبِ الْجَبَلِيَّةِ
عَلَى ظُهُورِنَا الْمُنْحَنِيَةِ حَمَلْنَا بَرَامِيلَ زَيْتِ الزَّيْتُونِ
وَحَفَنَاتٍ مِنَ التُّرْبَةِ الْمُقَدَّسَةِ
وَأَكْيَاسٍ خَيْشٍ مُحَمَّلَةٍ بِذِكْرَيَاتِ زِرَاعَةٍ مَفْقُودَةٍ وَمُهَجَّرَةٍ.
هُمُنَا فِي مَوْكِبٍ ذَابِلٍ
بَيْنَ أَلْقَابٍ شَاحِبَةٍ لِمُدُنٍ أُعِيدَتْ صِيَاغَتُهَا
حَمَلْنَا بَصِيلَاتِنَا مِثْلَ الزَّنَابِقِ الْيَتِيمَةِ
عَلَى حَدَبَاتِ الْحُرُوفِ الْقَدِيمَةِ الْمُتَعَرِّجَةِ
الْمُحَمَّلَةِ بِعَلَامَاتِ التَّعَجُّبِ الْحَمْرَاءِ وَعَلَامَاتِ الْقَلَقِ التَّشْكِيلِيَّةِ
تَعَرَّضْنَا لِلتَّنَمُّرِ، وَقُيِّدْنَا، وَكَدَّسْنَا فِي الشَّاحِنَاتِ، وَنُقِلْنَا، وَطُرِدْنَا إِلَى مَنْفًى مَرِيرٍ
مَرِيرَةٌ! أَضِفْ بَعْضَ السُّكَّرِ إِلَى قَهْوَتِي
بَقِينَا اللَّيَالِي الْمُقَدَّرَةَ، وَلَيْسَ لَيْلَةً وَاحِدَةً أُخْرَى
"نَعَتُونَا بِـ "الْلَّاجِئِينَ، الْحَشَرَاتِ، الْمُتَسَوِّلِينَ، اللُّصُوصِ الصِّغَارِ
وَعِنْدَمَا رَفَضَ الْقَمَرُ
أَنْ يُضِيءَ لَيْلَةً غَيْرَ مُقَمَّرَةٍ، عُدْنَا
زَحْفًا عَلَى رُكْبِنَا، وَظُهُورُنَا مُقَوَّسَةٌ مُنْحَنِيَةٌ إِلَى الْأَمَامِ
مِثْلَ سُنَابِلِ الْقَمْحِ الثَّقِيلَةِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ حَصَادِ ذَاكَ الصَّيْفِ الْمَفْقُودِ
عَدْنَا فِي الظَّلَامِ، نَتَفَادَى الرَّصَاصَ
سَافَرْنَا بَيْنَ السُّطُورِ الْمَكْتُوبَةِ
وَاتَّخَذْنَا منعطفات حَادَّةً بَيْنَ أَسْمَاءِ الْمُدُنِ وَالْبِلَدَاتِ
وَوَصَلْنَا إِلَى شَوَارِعَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَقْرَأَهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ
فَلَمْ نَسْتَطِعْ الدُّخُولَ وَلَا الْخُرُوجَ
!تَقَالِيدُ أَجْدَادِنَا، يَا ذَلِي
بَعْضُ السُّطُورِ مَسَحَتْ
وَتَمَّ ثَنِيُّهَا فَوْقَ سُطُورٍ أُخْرَى
وَأُعِيدَتْ صِيَاغَةُ بَعْضِهَا الْآخَرِ بِأَحْرُفٍ أَجْنَبِيَّةٍ
مَصْبُوبَةً مِثْلَ حَجَرَاتِ زَاوِيَةٍ خَرَسَانِيَّةٍ
وَمَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ
تَرَاجَعْنَا إِلَى سَطْرٍ وَاحِدٍ مُنَاسِبٍ
وَعَلَّقْنَا عَلَى هَامِشِهِ الْمَهْجُورِ
مِثْلَ بُقَعِ حِبْرٍ مُصَادَفَةٍ
حَاضِرِينَ هُنَاكَ
لَكِنَّا اعْتَبَرْنَا غَائِبِينَ
"فِي الدِيمُوغْرَافِيَا الزَّائِفَةِ لِلْحُرُوفِ الْأَجْنَبِيَّةِ
II.
عَلَى جَبَلِ الْحُزْنِ صَمَتَتِ الْعَرَّافَةُ. ظَهَرَتْ مَصِيبَتُهَا بَعْدَ فَتْرَةٍ فِي رَوَاسِبِ فِنْجَانِ قَهْوَةٍ آخَرَ
"خَمْسَةَ عَشَرَ بَرْمِيلًا مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ،
وَخَمْسَةً أَوْ سِتَّةَ أَكْيَاسٍ مِنَ الْخَيْشِ مَلِيئَةً بِالْقَمْحِ،
وَثَلاثَ جِرَارٍ مِنْ عَسَلِ النَّحْلِ الْحَلُوِ جِدًّا
وَكُنْتُ قَدْ خَبَزْتُ لِلْتُوِّ خُبْزًا مَسَطَّحًا،
سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ قَبْلِ هُرُوبِنَا.
لَقَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ خَلْفَنَا... يَا ذَلِّي!
ثَلاثَ بَقَرَاتٍ، حِصَانَانِ، الدَّجَاجُ
مِئَةً وَعِشْرِينَ فَدَّانًا
وَالْعَدِيدُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الزِّرَاعِيَّةِ الْأُخْرَى،
كُلُّهَا تَرَكَتْ خَلْفِي... يَا ذَلِّي! لَقَدْ أَصْبَحْنَا مَنْبُوذِينَ فِي أَرْضِنَا.
بِدُونِ أَسْمَاءِ
تَصْبَحُ أَفْعَالُ الزِّرَاعَةِ 'كَلِمَاتِ تَوَقُّفٍ' أَثْنَاءَ شُرْبِ الْقَهْوَةِ.
لِذَا، الْآنَ، يَكْفِي 'كَلِمَاتِ تَوَقُّفٍ' غَيْرُ مُجْدِيَةٍ."
III.وَأَنْكَمَشَتْ فِي مَقْصُورَتِهَا الدَّاخِلِيَّةِ الْبَالِغَةِ مِنَ الْعُمْرِ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ عَامًا، رَافِضَةً قِرَاءَةَ أَيِّ مَاضٍ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ الثَّمَالَةِ.
وَمَا لَمْ تَقْرَأْهُ أَبَدًا يَرِنُ فِي أُذُنَيَّ الدَّاخِلِيَّةِ إِلَى الأَبَدِ.
IV. مَخَلَّفَاتُ الْمَنْفَى الْقَسْرِيِّ
سَأَتَذَكَّرُ دَائِمًا صَوْتَهَا الْمُهَيْبَ
فِي الْحِكَايَاتِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الْغَيْلَانِ وَالْجِنِّ،
وَعَنْ الْقُرَوِيِّينَ الَّذِينَ تَنُومُهُمُ الذِّئَابُ وَالضِّبَاعُ مِغْنَاطِيسِيًّا
وَتَتَّخِذُهُمْ فَرِيسَةً شَاحِبَةً.
بِالْفِعْلِ، كَانَتْ تَصْدُقُ كُلَّ الْقِصَصِ الْخَيَالِيَّةِ
لَكِنَّهَا رَفَضَتْ كُلِّيًّا أَنْ تَصْدُقَ حِكَايَاتِ الْخَيَالِ الْأُسْطُورِيَّةِ
عَنْ حُضُورِنَا-الْغَائِبِ.
أَنْكَرَتْ جَدَّتِي كُلَّ أَشْكَالِ الْمَنْفَى
وَحرمت نُعُوتَهَا من النَّشْوَةِ؛
وَالْمَقْصُورَاتُ الْأَجْنَبِيَّةُ الْبَارِدَةُ تُمَتِّعُهَا بِالنَّصْرِ الْآمِنِ
أَضْعَفَتْ صَفَحَاتِ الْغِيَابِ وَهَوَامِشَهَا وَسِيرِيَالِيَّةِ الْحُضُورِ الْغِيَابِيَّةِ.
مَاتَتْ وَهِيَ تَحْمِلُ بِكُلِّ فَخْرٍ كُلَّ مَرَادِفَاتِ الْحُزْنِ
وَوَشْمًا أَزْرَقًا لِلصَّلِيبِ عَلَى جَبْهَتِهَا الْعَارِيَةِ.
وَقَدْ وَرِثْنَا الْمِسَاحَةَ الْفَارِغَةَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَتْرُكَهَا وَرَاءَهَا.
هُنَا، حَيْثُ تَنْمُو الزَّنَابِقُ فِي أَوْعِيَةٍ بِلَاسْتِيكِيَّةٍ
وَلَكِنَّهَا تَمُوتُ بِسَبَبِ الشَّيْخُوخَةِ،
أَكْتُبُ فَصْلِي عَنْ الْمَنْفَى الْقَسْرِيِّ،
بِأَحْرُفٍ زَاوِيَّةٍ تَبْنِي مَقْصُورَاتٍ خَرَسَانِيَّةً.
يَا ذَلِي! يا حسرتي عَلَى الْكَلِمَاتِ الْمَفْقُودَةِ.
عَلَى عَلَامَاتِ التَّشْكِيلِ الْمَفْقُودَةِ.
الْمَنْحَنَيَاتِ الْمَفْقُودَةِ.
يَا ذَلِي! يَا ذَلِي!